في ذكرى الوفاء والبيعة .. النزاهة تنشر ظلالها على مؤسسات الدولة

الرأي - كانت الرسالة الملكية السامية للحكومة في حزيران عام 2005 بإنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد والوقاية منه وتجفيف مواطنه وإغلاق نوافذه إيذانًا بإعلان الحرب على الفساد والمفسدين وتأكيدً ا على الحرص الملكي السامي لتعزيز الجهود الوطنية في الإصلاح والتحديث وتطوير مؤسسات الدولة .
ولأن المجتمعات كافة تشهد على الدوام معطيات ومستجدات تستدعي إعادة النظر في التشريعات لتتلاءم مع هذه المعطيات وتتواءم مع أحكام الاتقافية الدولية لمكافحة الفساد التي كان الأردن من أوائل  الدول التي صادقت عليها ، شكّل جلالة الملك في شهر كانون الأول عام 2012 لجنة ملكية لتعزيز النزاهة تكون مهمتها مراجعة التشريعات ودراسة واقع الجهات الرقابية والوقوف على مواطن الخلل فيها، فجاء ميثاق النزاهة الوطنية، أحد مخرجاتها وسببًا جوهريًا في صدور قانون النزاهة ومكافحة الفساد وتعديلاته رقـم 13 لسنة 2016 وهو القانون الذي يحكم عمل الهيئة الآن.

لن تغيب عن الأذهان هنا الأوراق النقاشية السبع لجلالة الملك وخاصة الورقة السادسة التي تتحدث عن سيادة القانون كأساس للدولة المدنية ، حيث اعتبر جلالة الملك أن سيادة القانون هي عماد الدولة المدنية الحديثة ، لذلك أكدّت هذه الورقة على ضرورة تطبيق معايير النزاهة وسيادة القانون كركائز أساسية في الإدارة الحصيفة بما يحقق العدل و المساواة واحترام حقوق الإنسان ومحاربة الواسطة و المحسوبية ، لأن التواني عن تطبيق هذه المعايير يُضعف أجهزة الدولة و يُزعزع ثقة المواطنين بها، فالفساد وصوره من الواسطة والمحسوبية واساءة استعمال السلطة وهدر المال العام يعتبر معولًا يهدد مكتسبات الوطن ويهدد سلامته..
الأمر الذي يستدعي تطبيق معايير المساءلة والمحاسبة بحزم ودون تردد، لضمان ذلك كله لا بد من أجهزة رقابية كفؤة وفعالة كهيئة النزاهة ومكافحة الفساد وديوان المحاسبة.
ولم تكن مكافحة الفساد أمراً طارئاً على القيادة الهاشمية منذ تأسيس الدولة ؛ فقد تكرَس الحكم الرشيد في نهج سياستها منذ ان وضع الدستور الأردني عام 1952 أسساً تجسد مفهوم المواطنة وتعزيز الانتماء الوطني ، ووفقاً للمادة (6) من الدستور فالأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات. 
وقد عبّر الحكم الرشيد للقيادة الهاشمية عن واجب مقدس تجاه المال العام وحمايته وصونه من أي عبث أو تلاعب من خلال النص على تأسيس ديوان المحاسبة وفقاً للمادة (119) من الدستور التي صدر بموجبها قانون ديوان المحاسبة وتعديلاته رقم (28) لسنة 1952 .
وتعبيراً عن الإرادة السياسية لمكافحة الفساد تمّ إنشاء مديرية مكافحة الفساد ضمن جهاز المخابرات العامة عام 1996 لتضطلع بالجرائم الواقعة على الوظيفة العامة والمال العام ومن ضمنها الجرائم الاقتصادية فكان للمملكة السبق في المنطقة لمكافحة الفساد ضمن أطر تشريعية ومؤسسية .
وشهد العقدان الأول والثاني من تولي جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين الحكم ثورة تشريعية على الفساد من خلال إصدار العديد من التشريعات التي ترجمت الإرادة السياسية لجلالة الملك في مكافحة الفساد وتوجهاته لتعزيز النزاهة ومبادئ الحكم الرشيد في المملكة حيث صادقت المملكة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بتاريخ 26 حزيران 2005 واستمراراً لهذا النهج فقد أوعز جلالة الملك في كتاب التكليف السامي لرئيس الوزراء الأسبق د. عدنان بدران بالعمل على الإصلاح الإداري ومكافحة كافة أشكال الفساد والواسطة والمحسوبية بإنشاء هيئة متخصصة في مكافحة الفساد. 
وبناءً عليه ، صدر قانون هيئة مكافحة الفساد رقم (62) لسنة 2006 والذي ينص على إنشاء هيئة مستقلة ومتخصصة بالكشف عن جرائم الفساد وإحالة مرتكبيها الى الجهات القضائية ذات الاختصاص الذي صدر بموجبه نظام حماية المبلغين والشهود والخبراء في قضايا الفساد .
وأكد جلالة الملك عبد االله الثاني ابن الحسين على اهتمامه الواضح بأهمية النزاهة كحائط صد منيع ضد الفساد من خلال تشكيل لجنة ملكية لمتابعة وتقييم ميثاق النزاهة بهدف تقييم واقع النزاهة وآليات عمل الجهات الرقابية وتحديد مواطن الخلل أو الضعف لتعزيز كفاءة تلك الجهات وتعزيز منظومة النزاهة في كافـة قطاعات الدولة. 
 .وتماشياً مع مخرجات اللجنة الملكية للنزاهة وظهور الحاجة لتوحيد الجهود الوطنية بهدف تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد فقد صدر قانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم (13)  لسنة 2016 الذي تم بموجبه إلغاء قانون هيئة مكافحة الفساد وقانون ديوان المظالم ودمجهما في كيان مؤسسة واحدة وهي (هيئة النزاهة ومكافحة الفساد) 

 


كيف تقيم محتوى الصفحة؟